من أهم العناصر التي تضمنتها رؤية السعودية 2030 وأكثرها تحدياً الجانب العلمي الذي يتناول الابتكار والاختراع والتفوق في جميع التخصصات. العدو الأول لتحقيق هذه الأهداف، من بين عدة عوامل أخرى، هو الوقت الذي سيتطلبه التعليم للوصول إلى المستويات العليا المنشودة إضافة للخبرات والتجارب. لذلك واختصاراً للوقت لا بد من البحث عن طرق أخرى تختصر المسافة. استقطاب العلماء المتميزين من شتى أنحاء العالم ومنحهم الدعم الذي يتوفر لدى المواطن يعتبر خطوة جريئة وغاية في الأهمية. أتكلم هنا عن الأمر الملكي الأخير الخاص بتجنيس مثل هؤلاء وهو ما تمارسه حقيقة كل دول العالم المتقدمة غرباً وشرقاً.
لنتذكر بأنه لولا مثل هذه المبادرات وتطبيقها على أرض الواقع لما خرج علينا ابتكار «قوقل» بواسطة شاب غير أمريكي وجد في أمريكا الفرصة لبناء فكرته العملاقه وخرج في النهاية بشركة أمريكية (ألفا بيتا) قيمتها السوقية ترليون دولار تقريباً وتوظف ما يقارب 100 ألف موظف وموظفة بمداخيل باهظة جداً. نفس الحديث يقال عن شركات أخرى مثل «أمازون» و«ياهو» بل وحتى «غولدمان ساكس» المالية العملاقة وجميعها تأسست بواسطة أفراد أجانب حصلوا على الجنسية الأمريكية. في هذا السياق هل تعلم أن 40% من أساتذة الجامعات الأمريكية حالياً هم من المجنسين الجدد من عدة دول مختلفة؟ قد يجد القارئ صعوبة في فهم ذلك حيث إن الانطباع السائد هو أن الولايات المتحدة تصدر الأساتذة لجامعات العالم وليست بحاجة إلى استقطاب أجانب لمنحهم الجنسية وتوظيفهم في جامعاتها.
الأمر هنا لا يقتصر على العلوم فقط بل حتى الرياضة والفن والدراما لها نصيب هائل من البحث عن المبدعين. لاحظوا عدد الأجانب في لعبة كرة السلة الأمريكية وهو رقم ينمو كل عام. في الفن الذي يعتبر جزءا هاما من الحضارة الإنسانية ومرآة لحضارة الدول ومجتمعاتها، نجد أن عدد الفنانين الجدد الذين أتوا من الخارج في هوليوود يزداد كل عام. ما ذكرته عن الولايات المتحدة ربما طبيعي كونها في الأصل دولة المهاجرين لكنه يتكرر في ألمانيا وأستراليا وإسرائيل وبريطانيا بل وحتى في تايوان وغيرها من الدول الرائدة في الابتكار والتقدم العلمي والثقافي. بعد هذا الإيضاح هل يمكن القول إن المملكة التي للتو بدأت في تعديل وتقويم التعليم وفتح البلاد ثقافياً للسياحة والآثار والفنون قادرة على أداء القفزات المطلوبة لتنفيذ خططها السريعة والطموحة نحو الإنجازات الكبرى والريادة فقط بقدراتها الذاتية من العقول؟
هناك من قد يتساءل عن الآثار الجانبية من التجنيس على المجتمع، والحقيقة أن ذلك في أدنى سلم الأولويات لدي شخصياً لأن ذلك غير صحيح. المملكة كدولة نامية لديها ملايين الأجانب من القوى العاملة ومنذ عقود يعيشون بيننا ويشاركوننا في الأمن والطمأنينة ورغد العيش. بل إن بعضهم حصل على الجنسية السعودية وتحول إلى مواطن يتمتع بكامل الحقوق. هل تسبب ذلك في أي أثر سلبي على المستوى الاجتماعي؟ إضافة لذلك لا أتوقع سيلاً هائلاً من الأفراد الذين قد يتم تجنيسهم لأن ما نتحدث عنه محدداً بقدرات معينة وسير ذاتية قد لا تتوفر إلا لدى عدد قليل من الأفراد حول العالم ولهذا السبب تم تحديد السقف الأعلى بحيث لا يزيد على 300 جنسية سعودية جديدة في العام الواحد. هناك من يخشى أن ترتفع نسبة البطالة بينما العكس هو المنتظر. ذلك أن التقدم في أي مجال مبتكر يعني وجود منشآت جديدة إضافية صغيرة ومتوسطة لتبني هذه الفكرة وتطويرها وبالتالي خلق وظائف جديدة لم تكن متوفرة في السابق. نحن في النهاية لا نتحدث عن تجنيس موظف مبيعات أو مدير مالي أو مهندس مدني أو طبيب عادي.
على أن التجنيس في المملكة وحتى ينجح في أهدافه يحتاج أرضاً خصبة لا بد من توفيرها عبر تشريعات ومبادرات جديدة. إذ وبالرغم من الانفتاح الاجتماعي المذهل والمنضبط في المملكة، هناك حاجة لوضع قوانين للمواطنة من شأنها تجريم التخوين والتفرقة بين الأعراق ومعاقبة من يلجأ لذلك تحت طائلة هذه القوانين. المواطن سواء من حصل على الجنسية للتو أو من نشأ أباً عن جد في هذه البلاد يتساوون في نهاية المطاف بكامل الحقوق والواجبات. الأرض الخصبة للإبداع تتطلب أيضاً أنظمة عدلية عصرية تحفظ الحقوق الفكرية وتعاقب من يسطو عليها. هل كان بإمكان مؤسس «فيس بوك» مثلاً أن يحقق هذا النجاح لولا الحماية الفكرية التي يتمتع بها في أمريكا؟ تتحدث بعض التغريدات من الأجانب وقد اطلعت عليها بعد الإعلان عن التجنيس، على الحريات الدينية في المملكة وهذه معضلة لم يتم تجاوزها في المملكة بوضوح حتى الآن ولست في مكان من يستطيع المساهمة في وضع حلول لها لعدم التخصص.
المملكة بالطبع لا تعاني من جفاف في الابتكارات وبراءات الاختراع بل هي الأولى عربياً في هذا الصدد حسب العديد من الإحصائيات الدولية المتخصصة. لذلك ومع توفر المزيد من العقول الجديدة بقدرات إضافية وخبرات عملية غير متوفرة حالياً، فإن هذا لن يعني إلا قفزات مدروسة لخروج نماذج جاهزة للإنتاج وللأخذ بزمام العديد من المبادرات غير المسبوقة خلافاً للعكس فيما لو كانت المملكة من الدول المتأخرة أصلاً في هذا المجال.
* كاتب سعودي